في “سرير الذئاب” تراكم لينا أبو بكر المعاني التي تقلق وجودها المتراكب مع داخل الذات الإنسانية، وفي بؤرة هذا التراكم تستقر وتتحرك علاقة الرجل والمرأة، وتطوّرها العائد إلى ما اعترض هذه الدواخل من خوف وتوق ورغائب انعكست بأساطير البشر على اختلاف أماكنهم التاريخية التي تتحول في تراكب جمل لينا الشعرية ولغتها إلى أمكنةٍ لغوية متفرّدة. وتجمع أبو بكر هذا التراكم في بنيةٍ ظاهرةٍ بأربعة أبواب تقدّم لها بقولين يعكسان عوالم المجموعة: “يقول الشهيد: الخلود انزياح سرّي للوجود” و: “قبلة السمّ تفّاحة الحياة”.
وتنمو في أَسِرَّة هذه الأبواب أربعة عوالم تضع الشاعرة ثلاثةً منها تحت مصطلح الملكوت، هي: ملكوت الذئاب، ملكوت التفاح، ملكوت الحَجَر، وتُكوّن الرابع تحت مصطلح: البرزخ، الذي يشكّل كما يبدو انفتاحاً للمجموعة إلى بدايتها. وتُدخل الشاعرة تحت هذه الأبواب ثمانٍ وعشرين قصيدة تفعيلة، وقصيدةَ نثرٍ واحدةٍ تختم بها المجموعة، وتعيد القارئ إلى الذين لا يدخل غيرهم سريرَ الذئبة، الشعراءُ المقتولون. هؤلاء يقودهم الشاعر الإسباني فيدريكو غارسيا لوركا، الذي قتله الفاشيون وأخفوا جثته لتصبح رمزاً عالمياً في إدانة شرور الفاشية، ونراه يسير خلف شاعرته الإلهة كما عشتار وتموز، في دهاليز العالم السفلي إلى الحياة في حوار ثري فاجع حول معاني الموت.
في سرير الذئاب، تتجلّى لغة لينا أبو بكر الحيةً المتفردةً، أولاً بمفرداتها الخاصة التي تجسّد موضوعاتِ داخلها، وتتشكل أجنحةً نابضةً بتوق هذا الداخل إلى الحرية والانعتاق خارج الشروط، مع غنى هذه المفردات وتعدد وجوه مراياها رغم مركزتها بما يجمع. وتتجلّى من بين هذه المفردات كلمات: (الذئبة، الذئب، الذئاب، الملكوت، التفّاح، الحجر، الموت)، التي تشعّ بعوالم نابضة تُحيي تواريخ وأساطير وعوالم الإنسان على مدى تاريخه. إنها أيضاً كلمات متجمعةً بمظلّات، مثل مظلّة الملكوت للذئاب والتفاح والحجر، ومتشظية بأبعاد تتداخل بالثقافات الإنسانية، مثل أبعاد الحجر الذي يتشظى لحِجْر الحماية مع أصحاب الحَجَر، والأيكة، في القرآن الكريم، وإلى الخلود، وإلى فصوص يواقيت النفس، المفرد منها والمثنّى، بتراكبها وانصهاراتها وتوحّدها وانقساماتها. ولا تنسى الشاعرة، في تركيب مفرداتها، صقلَها بثقافةٍ واسعة تتعدّى التاريخ والأسطورة إلى الأغنية، كما مع داليدا؛ وإلى السينما، كما مع أفلام ابن عجلان، والفراشات السوداء، وعشيقة البهارات، وزوربا، ومخيم الغجر يصعد إلى السماء؛ وصقلها كذلك بعموم غنى الثقافة الإنسانية.