لقد أدى تطور الحياة وسعة آفاقها إلى زيادة أعباء المجتمعات، وكان من أبرز ما تعانيه هذه المجتمعات هو زيادة عدد الجرائم والمنازعات المالية كماً ونوعاً. وما لبثت هذه الزيادة أن انعكست على الجهاز القضائي وزادت من العبء الملقى على كاهل المحاكم. ولاشك أن ذلك التطور والتزايد في القضايا المدنية والجزائية أفضى إلى كثير من التراكم والتعطيل، فأصبح تأجيل نظرها إلى جلسات متعددة هو السمة الغالبة على عمل المحاكم. وترتيباً على ذلك-وتحت ضغط حاجة المجتمعات- ظهرت الوسائل البديلة لحل المنازعات، في حلتها المعاصرة، ولاسيما من خلال إعطاء دور أكبر لأطراف الدعوى ممثلةً في المدعي والمدعى عليه في القضايا المدنية، والمجني عليه والنيابة العامة أو الجاني في القضايا الجزائية، لتسويتها بالطرق التصالحية نتيجة لعدم فاعلية الجهاز القضائي التقليدي في حسمها، وكثرة المُعيقات الموضوعية والشكلية، وهذا ما شجع على سطوع نجم ما يعرف "بالوسائل البديلة لحل النزاعات" وعلى رأسها التحكيم والصلح وغيرها. وترتيباً على ذلك، تناول المؤلف في المبحث الأول فلسفة الوسائل البديلة لحل النزاعات، ثم تعرض في المبحث الثاني للتحكيم والصلح في الشريعة الإسلامية ونطاقه، وأخيراً تناول أهم التطبيقات الحديثة للمبدأ التوسعي للصلح والتحكيم في المسائل الجزائية