البرامكة من الموضوعات التي شابها الكثير من المبالغة واختلاط الرواية بالقصة والخيال، حتى عَلِق في ذهن العامة وبعض الباحثين، أنهم سادة الدولة العباسية، وما رافق ذلك من تأثيرهم البالغ على الجوانب السياسية والثقافية، بإغداق الأموال والهبات على الشعراء والكتَّاب، الذين انكبوا على مدح البرامكة وإعلاء شأنهم، حتى امتلأت بطون الكتب والشعر بمآثرهم، مما جعل المهمة صعبة أمام الباحثين الذين وجدوا سيلاً من الروايات، ليس في كتب الشعر والقصص فحسب، بل في المصادر الأولية، فبدت المهمة أكثر صعوبة، ما بين التوفيق بهذا الدور الواسع للبرامكة، وبين قوة الدولة ممثلة بالخلافة بعصر القوة، وخاصة أن شخصية الخليفة هارون الرشيد تعرضت إلى كثير من المؤثرات والجدل. وبالرغم من تصدي بعض الباحثين لهذا الموضوع، إلا أن بعضهم اكتفي بسرد الروايات دون تفحّص وتمحيص، ومنهم من بنى على دراسات سابقة، لذلك آن لنا دراسة دور البرامكة بمنهجية علمية، من خلال دراسة متفحصة للروايات وتنقيحها، وكشف ما طرأ عليها من مبالغة وأهواء، وخاصة ما يتعلق بنهايتهم ونكبتهم على يد الرشيد بصورة مفاجئة، حتى بالغت الروايات بأمر الفاجعة التي أصابتهم، لكن الكشف المتفحص عن الروايات أظهر صورة المبالغة التي نُسجت حولها الكثير من القصص.