كشف “الربيع العربي” عمق وحجم الشرخ الذي يفصل الطبقة “العليا” في المجتمع العربي عن سائر المجتمع. فحيث تسيطر الطبقة “العليا” على كافة مفاصل الدول العربية استطاعت هذه الطبقة من خلال ذلك وبالتعاون مع القوى الخارجية التي توجهها تعطيل تحقيق معظم الأهداف والشعارات التي رفعتها القوى الشعبية بعدما أسقطت بعض أنظمة الحكم القائمة فيها. وتعد هذه الطبقة في الاستمرار في تعطيل تحقق أماني الشعوب العربية لحين إعادة تكوين هذه الطبقة من جديد على أسس الوطنية والسيادة. وسيكون ذلك بعيداً عن سجلها المشين في التاريخ العربي المعاصر وخاصة في تكوين النظام العربي العام الذي وضع المستعمر الغربي أطره واحتفظ بمرجعيته. فلا غنى لكل مجتمع عن طبقة عليا تقوده وتدير شؤونه
فقد بقي تحقيق السيادة القومية والوطنية الحقيقية معطلاً في معظم الدول العربية التي تم إنشاؤها بسبب عدم توافر الشروط الموضوعية للسيادة الحقيقية. وبذلك منع نظام الكيانات العربية الذي صنعه الغرب من أن تحقق الشعوب العربية أهدافها في العدالة الاجتماعية خاصة بين الطبقات الفقيرة والثرية ومكافحة الفساد ورفض ومحاصرة إسرائيل لحين القضاء عليها. وكذلك منع مأسسة الحرية والأمن والديمقراطية وبدء التنمية الجادة والطموحة والتوجه نحو الحداثة ودولة المواطنة والمدنية. فقد بقيت هذه الأهداف جميعها مجرد شعارات شبه منسية وغطاء للسعي نحو نقيضها