أن يكبر المرء أثناء الحرب الأهلية ويتقلد السلاح في العشرين ويطلق الرصاص على قائد جيش لبنان الجنوبي ويصمد على مدار عشر سنوات في معتقل الخيام وجحيمه... تلك هي الصورة المؤثرة للغاية التي رسمتها امرأة استعصت دوماً على الاستسلام
إنها سهى بشارة، ذلك الرمز الحي للمقاومة اللبنانية. ففي عام 1988، وهي بالكاد جاوزت عمر المراهقة، حاولت سهى أن تقضي على قائد جيش لبنان الجنوبي، الميليشيا الملحقة بإسرائيل والمكلفة العمل على حماية وجود الاحتلال في جنوب لبنان. وحالما اعتقلت، سيقت سهى إلى معتقل الخيام حيث تعرّضت لتعذيب قاسٍ وطويل
وكانت المنظمات الإنسانية تدين، بلا كلل، أعمال التعذيب التي اقترفت في هذا المعتقل، بل تندّد بوجوده الذي يسوده الاعتباط. وقد قضت سهى عشر سنوات في المعتقل، أمضت ستاً منها في الزنزانة الانفرادية
ها هي سهى بشارة تروي كيف كانت بلادها نهباً للرعب وكيف خطت سبيلها والتزامها الذي لا عودة عنه، وكيف أن شعلة التزامها قد أتاحت لها الصمود في وجه البربرية
وهي تروي كل ذلك، ها هنا، بنبرة حارة وصدق ينفذ إلى الصميم. إنها شهادة فريدة، تحمل في طياتها عبرة عن الوجود الحر، حين تذكّرنا بأن لكل امرئ الحق في مقاومة الظلم، وأن من يطلب الحرية ينبغي له أن يتجاوز ذاته، على الدوام