إنَّ رواية "فوضى" مشبَعة بجوٍّ من الحميميَّة والمتابعة القويَّة، وإن كانت مترفِّقة بالأحداث والحالات، متقصِّية أبعاد الإحساس في الكلام، ليس على المستوى الأدبي، بل بما للوظيفة الشخصيَّة من قدرةٍ على معرفة نزوعات النفس، وامتداداتها السوسيولوجيَّة، إنَّها "أوديسيَّة" صِداميَّة تبحث عمَّا يجب أن يكون؛ عن طريق وَعْيِها للكائن، تذكِّرنا رغم صغر حجمها بنموذج الرِّوايات العملاقة، رواية مركَّبة، جريئة، ساطعة، تكشف مدى إمكانيَّة وخطورة استسلام الفرد للحاكم في آنٍ، ومعاندته في آنٍ آخَر، وأنه ليس قدرًا مطلقًا؛ ما يؤكِّد أن الكاتب روائيٌّ متمرِّس، يكشف عن نُضجٍ في الكتابة، وحساسيَّة في التحدِّي بعيد المدى
وعلى كل حال؛ فانَّ "فوضى" تشدُّك من تلابيبك صوبَ تفاصيل النَّهار؛ لتذوق طعم الشمس الساطعة، كثافة عالية تُمْلِي على المتلقِّي قراءةً مزدوجة، محدودة لحظة القراءة المباشرة، وأخرى أكثر اتِّساعًا ورحابة، تبدأ حين تنتهي القراءة الأولى؛ ما يؤكد أنَّها تحترم القارئ؛ لأنَّها لا تعطيه المعنى كاملاً؛ إذْ تترك له فعلَ التحليل، والتأويل على قاعدة مشاركة المبدع ورؤيته
من جانبٍ آخَر: يمكن الادِّعاء بأنَّها روايةُ الرَّبيع العربي؛ لكونِها شكَّلَت حالة استشرافيَّة أكدَت أن المبدع يرى ما لا يرى، وهو ما وفق فيه الكاتب "مأمون أحمد مصطفى" كثيرًا